في أفق سنة 2030، يعتزم المغرب إعادة هيكلة منظومة الصحة النفسية عبر تأهيلها قانونياً وتشغيلياً بما يتماشى مع المعايير الدولية، إلى جانب إطلاق إصلاح جذري لنظام تسعير الأدوية، بما يضمن العدالة والشفافية، حسب ما كشف عنه وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين طهراوي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب يوم الاثنين 16 ماي 2025.
عرض صحي متخصص رغم التحديات
أكد الوزير أن الصحة النفسية باتت ركيزة أساسية في أنظمة الرعاية الصحية الحديثة، مشيراً إلى التزام وزارته بتعزيز العرض الصحي المتخصص، رغم الإكراهات المتعلقة بندرة الموارد البشرية وتوزيعها غير المتكافئ عبر التراب الوطني.
وأوضح أن عدد مهنيي الصحة العاملين في مجال الطب النفسي بلغ 3.230 شخصاً سنة 2025، من بينهم 319 طبيباً نفسياً في القطاع العام، و274 في القطاع الخاص، إلى جانب 62 طبيباً مختصاً في طب نفس الأطفال و1.700 ممرض متخصص.
ولتقليص الخصاص، تم تخصيص 123 منصباً مالياً خلال 2024-2025، منها 34 منصباً للأطباء النفسيين و88 للممرضين المتخصصين.
استراتيجية وطنية شاملة للصحة النفسية
وأعلن طهراوي أن الوزارة تشتغل ضمن المخطط الاستراتيجي الوطني المتعدد القطاعات للصحة النفسية 2030، الذي يهدف إلى تعميم الخدمات النفسية في جميع المستشفيات الإقليمية، وتجويد الرعاية، وتقريبها من المواطن.
كما أشار إلى مراجعة المنظومة القانونية المرتبطة بالصحة النفسية لتتماشى مع المعايير الدولية، وإعداد بروتوكولات علاجية لاضطرابات مثل الفصام والاكتئاب والسلوكيات الانتحارية.
وكشف الوزير عن عقده اجتماعاً مركزياً مؤخراً لعرض مخرجات الاستراتيجية الجديدة ومتابعة تنفيذها، موضحاً أن تشخيصاً أولياً أظهر غياب نظام للتكفل الفوري بالحالات النفسية، ما يساهم في ازدياد حالات التشرد، داعياً إلى تفعيل شراكات مع السلطات المحلية والمجتمع المدني.
كما شدد على ضرورة إيلاء أهمية خاصة لإعادة الإدماج الاجتماعي والعائلي، وهو جانب قال إنه “لا يزال مهمشاً في غياب منظومة متكاملة”.
إصلاحات هيكلية في السياسة الدوائية
وفي ما يتعلق بالسياسة الدوائية الوطنية، أكد الوزير أنها أحد الركائز الجوهرية في إصلاح المنظومة الصحية، تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية.
وأوضح أن إنشاء الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية (AMMPS)، التي أصبحت رسمياً عملية بعد تعيين مديرها العام في أكتوبر 2024، يمثل نقلة نوعية في تنظيم وتطوير القطاع، من خلال تبسيط إجراءات الترخيص والمراقبة، وتعزيز السيادة الدوائية، وتحفيز الابتكار الصناعي الوطني.
كما أعلن طهراوي عن قرب الانتهاء من مراجعة نظام تسعير الأدوية، في إطار مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين. وتهدف هذه المراجعة إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على القدرة الشرائية، وضمان الولوج إلى العلاجات الحديثة، وضبط التكاليف المستدامة للتغطية الصحية.
وأكد أن النظام الجديد سيعتمد على معايير عادلة وشفافة، تراعي خصوصيات الاقتصاد الوطني، وتنسجم مع الممارسات الدولية الفضلى.
نحو عدالة صحية ومجتمعية
بهذه الإجراءات، يسعى المغرب إلى تعزيز التكفل بالأمراض النفسية، ورد الاعتبار لفئات مهمشة صحياً، مع ضمان ولوج المواطنين إلى العلاج والأدوية بجودة عالية وتكلفة معقولة، في أفق بناء منظومة صحية أكثر شمولاً وإنصافاً واستدامة.