الصور القادمة من احياء مغربية متوترة ليست تفصيلا عابرا، فالاشتباكات التي تنتهي بجرائم قتل تكشف تراكما امنيا واجتماعيا خطيرا، بينما يعود الاتحاد الاوروبي لطرح فكرة اقامة مراكز احتجاز للمهاجرين فوق التراب المغربي، في تقاطع واضح بين ضغط ميداني على الارض وابتزاز سياسي ناعم تحت عنوان الشراكة.
في السياق الاقليمي، يشهد الحزام الساحلي انهيارا امنيا واقتصاديا في دول المصدر، مما يدفع موجات بشرية نحو الشمال، ويغذي شبكات التهريب التي حولت المسارات الى المغرب عبر موريتانيا والسواحل المغربية وصولا الى جزر الكناري، كما ان تشديد تونس وليبيا قبضتهما في فترات متقطعة يدفع جزءا من التدفقات غربا، في وقت يظل فيه اغلاق الحدود المغربية الجزائرية يعقد الادارة المشتركة ويدفع بالمغرب الى الواجهة منفردا، بينما تعرف اوروبا تحولات سياسية داخلية مع صعود خطاب اليمين ومحدودية الاجماع حول تقاسم الاعباء، ما يدفع بروكسل الى توسيع سياسة تدويل الحدود عبر تمويل ومذكرات تفاهم مع دول العبور.
الضغوط الاوروبية تأخذ اشكالا متعددة، من نقل العبء دون نقل المسؤولية عبر تمويلات مجزأة ومؤقتة مقابل توقعات فورية بالمنع والاحتجاز، الى هندسة قانونية رمادية تتحدث عن مراكز ما قبل الدخول او منصات معالجة خارج الاتحاد بينما يبقى الاحتكاك المباشر مع المهاجرين على عاتق المغرب، اضافة الى ربط ملفات الهجرة بملفات اقتصادية وتجارية بطريقة توحي بان التشدد في البوابات شرط لتطبيع العلاقات.

المغرب الذي التزم بسياسة هجرة انسانية ومتوازنة وضع لنفسه خطوطا حمراء واضحة، اولها حماية السيادة ورفض اي ترتيب يجعله مسؤولا قانونيا عن ازمات اوروبا، وثانيها الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومنع تحويل احياء حضرية الى مناطق احتجاز مفتوحة، وثالثها الحفاظ على صورته والتزاماته الحقوقية ورفض ان يظهر كشرطي مرتزق للحدود.
قبول المغرب بصيغة اوروبية صرفة يحمل مخاطر كبيرة، منها ترييف الازمة وتحويلها من عابرة للحدود الى محلية مزمنة، مع ما يصاحب ذلك من صعود الجريمة المنظمة وخطاب الكراهية، اضافة الى تقوية اقتصاد الظل الذي تستفيد منه مافيات التهريب عند اغلاق المسارات القانونية، فضلا عن تكلفة سياسية تتمثل في فقدان الثقة بين المواطن والدولة عندما يرى الناس امنهم اليومي يتدهور استجابة لاجندات خارجية.
ان ارادت اوروبا شراكة حقيقية فعليها تقاسم الاعباء بشكل فعلي عبر حصص اعادة توطين ملزمة ومسارات هجرة قانونية موسمية وتسهيلات للطلبة والباحثين، وتمويل متعدد السنوات للبنية والادماج والمراقبة، والاستثمار في بلدان المنبع ببرامج اقتصادية وتعليمية، والالتزام بحقوق الانسان ومراقبة مستقلة للعمليات المشتركة.
في المقابل، على المغرب صياغة عقيدة وطنية للهجرة تحدد سقف التعاون الخارجي وتربطه بالمصلحة الوطنية، واعتماد مقاربة امنية ذكية تضرب الشبكات المالية وتوزع تمركز المهاجرين بعيدا عن بؤر الاحتكاك، وتوظيف دبلوماسية ندية تجعل الملف جزءا من صفقة شاملة تشمل التجارة والاستثمار والطاقة المتجددة والتنقل المنظم، مع تواصل داخلي صريح يشرح الرهان ويطمئن المواطنين ويمنع الانزلاق نحو خطاب عنصري.
الخلاصة ان المغرب ليس دركي اوروبا ولن يكون، وان امن القارة لا يبنى على تصدير الازمات جنوبا، بل على شراكة مسؤولة توزع الاعباء وتفتح الممرات القانونية وتعالج الجذور، واي ترتيب لا يحترم سيادة المغرب واستقراره ولا يقدم مقابلا واضحا وقابلا للقياس، هو وصفة لتوسيع الفوضى لا لانهائها.