الفساد باستغلال القانون.. كيف تحولت الصفقات العمومية إلى مجال مغلق تتحكم فيه الشبكات
بعد تصريح صحفي أدلى به وزير مسؤول، وما تبعه من بحث دقيق في نتائج الصفقات العمومية وتتبع مسار بعضها، أصبح واضحا أن ممارسات خطيرة باتت شائعة في هذا المجال. التحليل الأولي يظهر أن القانون نفسه يُستغل لتكريس احتكار الصفقات، وتشكيل تكتلات دائمة من شركات محددة تتحكم في نتائج العروض، مما يُفرغ المنافسة من محتواها ويضعف مبدأ الشفافية والنزاهة.
من خلال التدقيق في نتائج عدد من طلبات العروض، يتبين نمط متكرر: نفس الشركات والأسماء تتواجد في العروض، وتُوزع الأدوار بينها لضمان فوز جهة محددة، بينما تقدم الشركات الأخرى عروضا شكلية أو بأسعار غير تنافسية لإضفاء طابع المنافسة. هذه التكتلات غالبا ما تُدار من طرف أشخاص محددين يتحكمون في عدة شركات، يعدون الوثائق ويقدمونها باسمها، ما يخلق تضارب مصالح صارخ ويحوّل القانون إلى أداة لإضفاء الشرعية على ما هو تحايل واضح.
الإدارات المعنية بهذه الصفقات تبدو عاجزة أو متواطئة أحيانا، حيث تُقبل الوثائق المشكوك في صحتها، بما فيها الشهادات المرجعية، دون تمحيص أو متابعة. هذه الثغرات تجعل احتكار الصفقات أمرا شبه مؤكد، بينما الشركات النزيهة تُقصى ويُحرم السوق من منافسة حقيقية.
الأثر السلبي لهذه الممارسات يتعدى الهدر المالي ليصل إلى تآكل الثقة في المؤسسات، وإضعاف المنظومة الاقتصادية، وتشويه صورة الإدارة العمومية أمام المواطنين. فحين يصبح القانون أداة بيد من يفترض أن يخضع له، لا يمكن الحديث عن نزاهة أو عدالة في المنافسة.
التحدي الحقيقي أمام الجهات الرقابية والسياسية هو إعادة الحياد للمساطر، وتفعيل المراقبة والمحاسبة بشكل فعلي، لضمان أن تكون الصفقات العمومية فضاء للتنافس الشريف، لا ملعبا للتكتلات المتحكمة والمصالح الخاصة.




