أقلام حرة

الدكتور عبد المجيد الكتاني يكتب : "دفع بلاء كورونا بالدعاء وانتظار الفرج من الله"

playstore

الحمد لله مستخرج الدعاء بالبلاء، ومستخرج الشكر بالرخاء، الحمد لله القائل في محكم التنزيل: “إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا” والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل: “لن يغلب عسر يسرين” صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

متتبعو جريدة صفرو بريس الأفاضل، في الوقت الذي اغتر فيه العالم (المتقدم) بما وصل إليه من تقدم وتحضر، واعتقد الإنسان أنه سيد الكون، وأنه يحكم سيطرته عليه، وأنه المتصرف فيه بلا منازع، وأنه قضى على الأوبئة إلى غير رجعة، فجأة يظهر وباء كورونا بالصين، وتدخل بعض مدن الصين في حجر صحي شامل،

sefroupress

وربما لم تحمل باقي دول العالم الأمر محمل الجد، أو استهانت بالأمر أو أمنت مَكْر هذا الوباء، فاستمر العالم في أنشطته المعتادة، ونُظِّمت المهرجانات والمباريات الكروية وغيرها، وبقيت الحدود البرية والبحرية والجوية مفتوحة، ولم تستفق الدول إلا وهذا الفيروس قد انتشر في الناس انتشار النار في الهشيم،

وما هي إلا أيام حتى بدأ هذا الوباء يحصد الأرواح ولاسيما كبار السن، وعجت المستشفيات بالمرضى، وسجل ارتباك في كثير من مستشفيات الدول التي كنا نعتقد أنها متقدمة، وشاهدنا منها على المباشر صور لأناس ممددين على أسرة في غرف المستشفيات وخارجها في الممرات وأناسا يتخبطون كالمتخبط من المس، وأطباء بوجوه شاحبة أتعبتهم الساعات الطوال التي قضوها في العمل ورأينا صورا لهم بعد أن أزالوا الكمامات وقد تركت على وجوههم ندوبا وخدوشا، ومشاهد غير مألوفة وكأننا في مشاهد أفلام الرعب، الموت في كل مكان ورائحته في كل مكان،

 وسرعان ما تبين أن النظم الصحية بالدول الأوروبية والأمريكية هشة جدا، وأنها عاجزة عن استيعاب آلاف المرضى وتوفير أسرة العناية المركزة لكثير منهم، حيث لوحظ نقص فادح في المعدات وأجهزة التنفس ووسائل الوقاية من كمامات طبية وأقنعة واقية، وبدأت حرب الكمامات تشتعل بين الدول، ومشاهد الفوضى العارمة والطوابير من المتسوقين أمام المراكز التجارية الكبرى، حيث بدأ الناس في تخزين البضائع وتكديسها خوفا من المجهول، وعم التوجس والخوف والدهشة بين الناس،

وأُعْلِنت الطوارئ في جل دول المعمور، وفُرِضَ الحجر الصحي، وأُمِر الناس بلزوم بيوتهم ومنازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة، وخلت الشوارع من المارة وأغلقت المقاهي والنوادي والمطاعم، وتناسلت في كل مكان الوصلات التوعوية من قطاعات الصحة وغيرها من القطاعات المتدخلة، ومشاهد غسل اليدين بالصابون واستعمال الوسائل المطهرة في كل مكان وفي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الرسمية وغير الرسمية، فهرع الناس بهلع إلى اقتناء المطهرات وأسرفوا في ذلك، فغلت أسعارها، وأسهم في ذلك تجار الأزمات حتى خلت الأسواق منها أو كادت، بعدها بدأت الشوارع والطرق تخلو من وسائل النقل- نقل الأشخاص- البرية والجوية والبحرية… وأغلقت دور العبادة من كنائس ومساجد وبيع في كل مكان، وعطلت صلوات الجماعة وصلاة الجمعة والتراويح في المساجد، وحتى الحرمين الشريفين تم إغلاقهما في مشهد مؤلم.

وشرعت الدول في إحصاء الضحايا وتعد حالات الإصابة وحالات الوفيات وحالات الشفاء، وبدا المشهد جد قاتم… آلاف المرضى والأموات مكدسون بالمستشفيات، وفي دهاليزها، وآلاف من الأموات لا يستطيع أهاليهم توديعهم أو الاتصال بهم، ولا تَسَلُّم جثتهم لدفنها، وشوهدت عشرات الشاحنات العسكرية تحمل آلاف النعوش تسير ببطء في موكب مهيب في شوارع مقفرة متجهة بالنعوش لحرقها أو دفنها في مقابر جماعية، وبعض الجنازات التي لا يرافقها إلا بعض الأشخاص الملثمين المرتدين للكمامات والأقنعة الواقية، إنه موقف يذيب الأكباد ويقطع القلوب والأحشاء، ولم تسلم حتى الطواقم الطبية من هذا الفيروس الفتاك؛ بل لم يسلم منه حتى كبار رجال الدولة من رؤساء الوزراء أو زوجاتهم أو الوزراء وأصحاب السلطة،

وانهارت بعض الأنظمة الصحية أو كادت تنهار في أوروبا وأمريكا، وشعر الناس بالصدمة وفر بعضهم من بعض، وابتعدوا عن التجمعات، وسادت حالة من القلق والتوتر والترقب بين الناس، وتسابقت مختبرات الغرب المتقدمة لتجد لهذا الفيروس تلقيحا في أسرع وقت للقضاء عليه، وبين الفينة والأخرى يقوم الرئيس الأمريكي ترامب وغيره من رؤساء الغرب خطيبا في الناس بقرب القضاء على هذا الوباء وأن مختبراتهم على وشك إيجاد لقاح له، إلا أن شيئا من ذلك لم يتم، وأوغل الفيروس في القتل، وكأنه يتحدى ويرد على هؤلاء الخطباء.

وبعد أن انتهت حلول الأرض رفع الناس أيديهم إلى السماء طالبين مساعدة رب العالمين في شفاء المصابين بالعدوى، لتنزل رحمة الله على الجميع، ويكون الدعاء هو السبيل للشفاء والتخلص من هذا الوباء، فقرعت أجراس الكنائس ورفع الآذان فيها وفي المساجد في مشاهد جد مؤثرة، مما يبرز نزوع الإنسان الفطري في حالات الضرّ والشدّة والخوف والرعب إليه تعالى، والاعتراف بكلّ خضوعٍ وذلّةٍ وتمسكن بالضعف والقصور، ولكن للأسف ما يلبث الإنسان بعد إجابته أن يعود إلى ما كان عليه من اعتقادٍ باطلٍ، ولقد صوّرت الآيات الكريمة ذلك في مشهدين:

الأوّل: مشهد الإنسان الذي مسّة الضّرّ فلا يجد سبيلاً غير الله، فليوذ به طالباً كشف ضرّه، قال الله تعالى: “وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ‌ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّ‌هُ مَرَّ‌ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ‌ مَّسَّهُ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِ‌فِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.

الثاني: مشهد الإنسان وسط أهوال البحر في هيجانه، يدعو الله ويتضرّع إليه راجياً النجاة، قال تعالى: “فإِذَا رَ‌كِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ‌ إِذَا هُمْ يُشْرِ‌كُونَ”

وهو موقف يصوّر بدقّةٍ متناهيةٍ فطرة الإنسان في صدق توجهه، وإخلاص دعوته لله تعالى، وهجر ما سبق من اعتقادٍ باطلٍ في ساعة شدّته وخوفه، ثمّ سرعان ما تعود تلك النفوس التي تناقض فطرتها إلى ما اعتادت عليه.

وإذا كانت كثير من الدول قد سادت فيها هذه المشاهد رهيبة الموصوفة أعلاه حيث أثخن الفيروس فيها بالقتل، فإن المغرب والحمد لله  سلم من ذلك كله؛ لأن الله قد حباه بقيادة رشيدة متمثلة في صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، اتخذ مجموعة من القرارات والتدابير والإجراءات الحكيمة والحاسمة في الوقت المناسب؛ لتطويق انتشار هذا الفيروس ومواجهة تداعياته، حيث أحدث جلالته صندوقا خاصا لمواجهة كرونا وانعكاساتها، وأُعْلِنَت التعبئة العامة في البلاد وعملت الحكومة بتوجيهات ملكية بالواجب المنوط بها،

كما تفانت مختلف القطاعات المعنية في عملها من قطاع الصحة المدنية والعسكرية، وقطاع التعليم وقطاع الأمن، وباقي القطاعات الفاعلة والمتدخلة وكثير من جنود الخفاء، وتجاوب الشعب مع هذه القرارات وصفق لها بحرارة، وأبدى المغاربة ضروبا رائعة من التكافل الاجتماعي والتعاون البناء، وقد نجح المغرب في مواجهة هذا التحدى وكان محل إعجاب وتقدير عالمي في إدارة أزمة كورونا والقرارات المتخدة بشأنها معتمدا على إمكانياته الذاتية وهو نجاح مبهر جعلت بعضهم يعظ على أنامله من الغيظ، فاللهم احفظ المغرب ملكا وشعبا.

أيها المتتبعون الأفاضل لهذه الجريدة الإلكترونية المواطنة، إن أزمة كورونا ما تزال قائمة في مختلف دول المعمور، وإن كانت شدة وطأتها تتفاوت من دولة إلى أخرى، حيث لا يوجد لحد الساعة دواء شاف ولا لقاح ينفع مع هذا الفيروس؛ بل إن بعض الخبراء يتوقعون أنه في حالة إيجاد لقاح فإنه يحتاج على الأقل لـ 18 شهرا، وقد بدأت بعض الاقتصاديات تنهار ودخل الاقتصاد العالمي في ركود لم يشهد له مثيل على امتداد قرن من الزمان، ولا ندري ما هو آت ونسأل الله اللطف فيما جرت به المقادير.

وفي هذه الأيام الرمضانية التي يُباهي بنا الله فيها ملائكته، وفي هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم أحببت أن تكون كلمتي في جريدة صفرو بريس عن الأسباب التي ينبغي أن نأخذ بها؛ ليفرج الله عنا وباء كورونا؛ ولأبشر الناس من هذا المنبر بأن فرج الله قريب وآت، وأن ليلها الحالك سينبلج:

اشتدي أزمة تنفرجي***** قد آذن ليلك بالبلج

ولن يكون هذا البلاء والابتلاء الذي أصاب البشرية اليوم أسوء مما عرفته الإنسانية في غابر الظهور والأزمان، وقد فرج الله على الناس أزمات أشد حدة وقتامة من أزمة كورونا هذه، فما علينا سوى أن نجدد ثقتنا بالله، وأن نتقي الله ويجعل الله لنا مخرجا من هذه الأزمة، يقول تعالى “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”

وعلينا أن نوقن بأنه مهما ينزل بالإنسانية من شدة يجعل الله بعدها فرجا، وإنه لن يغلب عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وعلينا أن ننتظر بيقين وبقلوب مطمئنة فرج الله، فإن ذلك عبادة، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انتظار الفرج من الله عز وجل عبادة”، وعلينا أن نتضرع إلى الله بالدعاء الخالص، فإنه دأب الأنبياء والصالحين:

قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ”،

وقال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: “وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيم”، 

وقال الله تعالى عن أيوب عليه السلام: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ”، وقال الله تعالى حكاية عن يونس عليه السلام: “وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُومِنِينَ”.

كان بعض الصحابة رضي الله عنهم ذات يوم جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “ألا أخبركم – أو أحدثكم – بشيء، إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا ربه ففرج عنه؟ فقالوا: بلى. قال: دعاء ذو النون ، قال: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.

ألسنا في ظلمات أزمة كورونا؟ فليتضرع كل واحد منا بهذا الدعاء “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”؛ ليفرج الله عنا ويرفع عنا هذا الوباء كما فرج الله عن نبيه يونس عليه السلام.

وقد حث الله سبحانه وتعالى على الدُّعَاء في مجموعة من الآيات القرآنية:

قال الله تعالى: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ”، وفي مجيء الحث بهذه الصورة ـ مقترناً بالإجابة ـ إيناس للداعي وتأييد لاطمئنانه في استجابة دعائه وفي ذلك من تشريفٍ وتكريم، فقد أمر الله عبادة بالدعاء وتكفَّل لهم بالإجابة فضلاً منه وتكرماً.

وقال الله تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَليومِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”.

وقال الله تعالى: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ  وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ”.

أيها القراء الأفاضل، جاء في صحيح البخاري عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بينما ثلاثة نفر يمشون، أخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم، قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صِبْيَة صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم حلبت، فبدأت بوالداي أسقيهما قبل بني، وإني استأخرت ذات يوم، فلم آت حتى أمسيت، فوجدتهما ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما، وأكره أن أسقي الصبية، والصبية يتضاغون (يتباكون) عند قدمي حتى طلع الفجر، فإن كنتَ تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك، فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج الله فرأوا السماء.

وقال الآخر: اللهم إنها كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها فأبت، حتى أتيتها بمائة دينار، فبغيت حتى جمعتها، فلما وقعتُ بين رِجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت. فإن كنتَ تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة، ففرج. (وفي رواية أخرى وأنها كانت تعجبني فراودتها عن نفسها فأبت، فأصابتها حاجة شديدة فأتتني وسألتني، فقلت لا حتى تمكنيني من نفسك فأبت، ثم ذهبت فرجعت وقد أصابتها حاجة شديدة، وفي رواية أخرى أن زوجها كان مريضا وكان بينهما أولاد صغار وقد أصابهم القحط. قال: فأتتني فسألتني المرة الثالثة والرابعة فقلت: لا حتى تمكنيني من نفسك، فقالت دونك، فلما قعدتُ منها مقعد الرجل من امرأته، ارتعدتْ فقالت: لا يحل لك أن تفك هذا إلا بحقه، فتركتُها ووفرت عليها ما احتاجت إليه. اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ هذا ابتغاء لوجهك، ففرج عنا، فانفرجت من باب الغار فرجة).

وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجيرا بفرق أرز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي فعرضت عليه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله، فقلت: اذهب إلى ذلك البقر ورعاتها فخذ، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك فخذ، فأخذه. فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك  ابتغاء وجهك، فافرج ما بقي، ففرج الله.

أيها القراء الأفاضل انظروا إلى أنفسكم هل عندكم من أعمال صالحة عملتموها خوفا من الله وابتغاء تقواه ووجهه الكريم، فتوسلوا بها في دعائكم إلى الله عز وجل؛ ليفرج عنا ويزيح عنا صخرة فيروس كورونا؛ لنخرج من هذه الغيران التي نحن فيها إلى رحابة أرض الله وسمائه الواسعة.

أيها القراء الأفاضل هذا فضل الدعاء الخالص لله سبحانه وتعالى، وهذا تفريج من الله للكربات برحمته، وبفضل التقرب إليه بالأعمال الصالحات، ويدل على مشروعية التوسُّل إلى الله بالعمل الصالح عدة آيات منها قوله تعالى: “الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ“.

قراء ومتابعي جريدة صفرو بريس المباركة إن الدعاء -وخصوصا في زمن كورونا هذا- هو طوق النجاة الذي ينبغي البحث عنه الآن؛ للتضرع إلى الله بقلوب مطمئنة يملأها الإيمان واليقين بأن الله وحده القادر على رفع البلاء، ووقف طوفان هذا الفيروس اللعين، فالدعاء وقت انتشار الوباء هو امتثال لأمر الله وتسليم الأمور إليه، والدعاء وقت الأوبئة سبب لرفع غضب الله، والدعاء رافع للبلاء والوباء، والدعاء – زمن الأوبئة ككورونا- يُدخل الداعي في رحمة الله ومعيته، ويكون في حفظه ورعايته، يحميه من المرض والعدوى، والدعاء في زمن كورونا يجعل النفس هادئة مطمئنة رغم انتشار الوباء، ويقوي المناعة؛ لأن الداعي يتمسك باليقين والثقة في الله أنه لن يخذله، يقول صلى الله عليه وسلم: “ادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن اللهَ لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ“.

ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا يَعْنِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَافِيَةَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ”،

يقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين: “فإن قلت: فما فائدة الدُّعاءِ والقضاءُ لا مرَدَّ له؟

فاعلم أن مِن القضاء ردَّ البلاء بالدُّعاء، والدُّعاء سبب لرد البلاء، واستجلاب الرحمة، كما أن التُّرْسَ سبب لرد السهم، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن التُّرْس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدُّعاء والبلاء يتعالجان (أي يتدافعان)، وليس مِن شرط الاعتراف بقضاء الله عز وجل ألا يحمل السلاح؛ قال عز وجل: “وَلْيَاخذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ” وألا تُسقَى الأرض بعد نَبْتِ البذر، فالله تعالى قدر الأمر، وقدَّر سببَه”.

قراء ومتتبعي جريدة صفرو بريس المباركة أيها الناس في كل مكان، يجب علينا اللجوء إلى الله عز وجل، والتضرع  إليه بالدعاء حتى يرفع البلاء والوباء ويعود الخير لجميع البلاد من جديد، ويسعدني أن أختم كلمتي بالدعاء بهذه الأدعية المباركة إن شاء الله:

– اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطتك، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

– اللهم اغفر لنا الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر لنا الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لنا الذنوب التي تحبس الدعاء، اللهم اغفر لنا الذنوب التي تنزل البلاء.

playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا