في ظل التصعيد غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات مثيرة للجدل، أوضح فيها بشكل غير مباشر أن نهاية الحرب لن تكون ممكنة إلا إذا تخلّت طهران عن مشروعها النووي بشكل كامل. هذه الرسالة، وإن لم تُصغ بصيغة الأمر، تُقرأ بوضوح في سياق خطابه الذي دعا فيه إيران إلى تقديم “تنازلات جدية” وإلا ستواجه “هجمات أشد قسوة في المستقبل”.
تصريحات ترامب لا تنفصل عن سلسلة تحركات استباقية قامت بها واشنطن، وعلى رأسها قرارها بإجلاء الرعايا الأمريكيين من عدة مناطق في الشرق الأوسط قبل أيام من انطلاق “عملية الأسد الصاعد” التي استهدفت قلب المنشآت الإيرانية ومراكز القيادة العسكرية والعلمية. هذا المعطى يفتح الباب على فرضية أن الحرب كانت مقررة سلفًا، أو على الأقل أن جزءًا من الإدارة الأمريكية كان على علم بتوقيتها.
وفي المقابل، بدت مواقف روسيا والصين وتركيا باهتة أو ضبابية، رغم كون إيران تعتبر شريكًا استراتيجيًا لكل من موسكو وبكين في مواجهة المحور الأمريكي. تصريحات الكرملين والقيادة الصينية اتسمت بالهدوء، ودعت فقط إلى “ضبط النفس” و”تفادي التصعيد”، دون تقديم دعم صريح لطهران أو تحميل إسرائيل مسؤولية مباشرة. أما أنقرة، فاختارت الصمت، ربما تفاديًا لإحراج شركائها في الحلف الأطلسي، أو خشية من تداعيات اقتصادية على وضعها الداخلي الهش.
هذا التردد الروسي الصيني يفتح باب التساؤل حول مدى متانة التحالف الثلاثي بين موسكو وبكين وطهران. هل يعكس موقفهم رغبة ضمنية في التخلي عن إيران كورقة تفاوضية في إطار صفقة كبرى مع الولايات المتحدة؟ وهل يعتبر الصمت التركي مؤشّرًا على إعادة تموقع استراتيجي؟ تلك أسئلة أصبحت تتردد بقوة في الأوساط الجيوسياسية منذ صباح اليوم.
الأكيد أن الشرق الأوسط بات مسرحًا لمواجهة مفتوحة تتجاوز الحسابات العسكرية، وتمتد إلى إعادة رسم الخرائط السياسية والاقتصادية بين الشرق والغرب. وبينما تتلقى إيران الضربات، تقف القوى الكبرى في حالة ترقّب… وربما مقايضة.