في مشهد يعكس حالة التخبط التي تعيشها الدبلوماسية الجزائرية، أمر النظام الجزائري وزيرة التجارة باستقبال السفير الأوكراني في الجزائر لبحث آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، بعد أيام فقط من مقاطعة منتدى “أسبوع الطاقة الروسي”. لقاء بدا في ظاهره اقتصاديا، لكنه في جوهره يحمل رسائل سياسية مرتبكة، تكشف صدمة النظام بعد الموقف الروسي الداعم للوحدة الترابية للمغرب في ملف الصحراء.
فقد كان النظام الجزائري يراهن على أن موسكو ستكون حليفه الأخير القادر على كبح مسار الحسم في قضية الصحراء المغربية داخل أروقة الأمم المتحدة. ظل يتغذى على هذا الوهم لسنوات، معتقدا أن التحالف العسكري والاقتصادي مع روسيا سيترجم تلقائيا إلى دعم سياسي لموقفه الانفصالي. لكن الموقف الروسي الأخير، الذي أكد بوضوح دعم الوحدة الترابية للمملكة واحترام سيادتها على أقاليمها الجنوبية، أسقط آخر الجحور التي كان يختبئ فيها النظام في مواجهة الإجماع الدولي المتزايد حول مغربية الصحراء.
هذا التحول شكل صدمة في قصر المرادية، حيث سقط آخر “رهان استراتيجي” كان النظام يتشبث به، ما دفعه إلى التحرك بشكل متسرع وغير محسوب نحو أوكرانيا، في محاولة لاستمالة أوروبا والولايات المتحدة، عبر إرسال رسالة مفادها: “نحن الورقة الرابحة ضد روسيا في شمال إفريقيا”. لكن ما لم يفهمه النظام هو أن هذه الورقة احترقت منذ زمن، وأن زمن الصفقات الباردة ولّى، فالعالم اليوم لا يراهن على أنظمة متذبذبة تبيع مواقفها مع تغير الرياح.
التحول نحو أوكرانيا لا يمكن تفسيره إلا كرد فعل هستيري على خيبة سياسية، ومحاولة لتلميع صورة نظام يعيش عزلة خانقة بعد فشله في الملف الإفريقي، وتراجع نفوذه في الساحل، واهتزاز تحالفاته مع حلفائه التقليديين. والأسوأ أن هذا الانعطاف المفاجئ يحمل في طياته خسائر اقتصادية محتملة، فروسيا من كبار موردي القمح والسلاح إلى الجزائر، والتقرب من خصمها المباشر قد يضع العلاقات بين البلدين في حالة توتر بارد.
لكن الأهم من كل ذلك أن العالم اليوم لم يعد يرى في الجزائر سوى نظام متردد يعيش خارج منطق التوازنات الجديدة. فحين تدعم موسكو المغرب، وحين تنفتح واشنطن وبروكسيل على مقترح الحكم الذاتي، يدرك الجميع أن معركة الصحراء حُسمت سياسيا، وأن ما تبقى ليس سوى تفاصيل زمنية.
إن ما حدث ليس مجرد تبدل في التحالفات، بل إعلان صريح عن سقوط آخر أوراق النظام الجزائري في ملف الصحراء المغربية، وسقوط وهم الحلفاء الكبار الذين كانوا – في نظره – قادرين على تعطيل مسار التاريخ. غير أن التاريخ، كما أثبت مجددا، لا ينتظر من يتردد خلفه، بل يسحق من يراهن على الخسارة.

