Site icon جريدة صفرو بريس

التدبير المفوض بالمغرب …إلى أين ؟ وزارة التربية الوطنية نموذجا

بالرجوع إلى السياسة المتبعة في تفويت العديد من الخدمات للقطاع الخاص بالمغرب، نجدها على العموم لم تحقق الأهداف المرجوة منها، ولم تنعكس آثارها بشكل إيجابي على حياة المواطنين والمواطنات.فقد  تكاثرت هذه الشركات المفوض لها بشكل كبير، ولكن دون نتائج ملموسة ودون تجويد للخدمات المفوضة لها. فالمواطنون يشتكون يوميا من  سوء تسيير وتدبير هذه الشركات. وهو الأمر  الذي أكده التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات عندما قام برصد جملة من التجاوزات والاختلالات التي تقوم بها هذه الشركات  ، ومن رداءة و تدن في الخدمات المقدمة التي لا تحترم مقتضيات دفاتر التحملات . ويبقى المتضرر المباشر من هذه الوضعية هو المواطن المغربي الذي يتجرع يوميا  مرارة  ارتفاع فاتورة استهلاك الماء والكهرباء و أزمة خانقة في النقل  وتراكم الأزبال والنفايات … الخ هذا ناهيك عن الاستغلال البشع الذي يتعرض له  العمال المشتغلون بهذه المرافق والإجهاز على حقوقهم.

 ولم تكن وزارة التربية الوطنية استثناء من خلال تفويضها لبعض الخدمات للقطاع الخاص. ففي إطار تنفيذ احد مرتكزات المخطط الإستعجالي  لجأت هذه الوزارة من خلال الأكاديميات والنيابات التابعة لها إلى تفويت خدمات النظافة والحراسة وتدبير المطاعم المدرسية والداخليات بالمؤسسات التعليمية إلى شركات المناولة، استنادا إلى دفاتر تحملات – لم تتح الفرصة لرؤساء المؤسسات بصفتهم المعنيين المباشرين بخدماته للاطلاع على مقتضياته – وهو ما يعني بصريح العبارة، يقول العديد من المتتبعين ، اغناء  أصحاب “الشكارة” من أموال الشعب ، حيث أعطت وزارة التربية الوطنية شيكا على بياض لأصحاب الشركات  المفوض لها تدبير النظافة والحراسة   لامتصاص دماء الشباب العاطل  واستغلال   عوزهم  و حاجتهم  إلى الشغل، فعمال وعاملات هذه الشركات يعملون  في ظروف اقل ما يقال عنها إنها حاطة بالكرامة الآدمية، في غياب كامل لأدنى شروط العمل التي يخولها لهم القانون. فلا يطلعون على بنود العقد الذي يربطهم بهذه الشركات  التي لا يتوفر  جلها على مقر معروف، كما أنهم لا يتوفرون على أية وثيقة تربطهم بمشغلهم . ورواتبهم إذا – صح تسميتها كذلك  –  أقل بكثير عن  الحد الأدنى الشهري للأجور المطبق منذ دخول مدونة الشغل حيز التطبيق في07 يونيه 2003 هو 1917,76درهما- كما قررت الحكومة الحالية إلى رفعه ليصل إلى 3000.00 درهما شهريا ، ويعمل معظم هؤلاء يوميا  12 ساعة أو يزيد. رغم أن مدة ساعات العمل اليومية حسب مدونة الشغل لا ينبغي أن تتعدى 8 ساعات. أما التأمين  والضمان الاجتماعي،والتعويضات العائلية لأرباب الأسر  فإنها ضرب من ضروب الخيال. بل  حتى  الدريهمات/الفتات التي تقدم لهم فإن أصحاب هذه الشركات  يماطلون في أدائها  و”يجرجرونهم “لشهور طويلة بدعوى تأخر المصادقة على الميزانية  أو انتظار  تأشيرة الخازن أو مصادقة مدير الأكاديمية الجهوية  . وقد نظم مجموعة من ضحايا هذه الشركات   اعتصامات للمطالبة بحقوقهم  غالبا ما انتهت بطردهم واستبدالهم بآخرين.

 لذلك، فإن الوضعية الحالية لا تبشر بخير ، وذلك للاعتبارات التالية :
1-  عدم توصل المؤسسات بدفتر التحملات التي تحدد المهام الموكولة لأعوان الحراسة والنظافة وساعات عملهم وراحتهم وعطلهم .
2-  عدم وضوح طبيعة العلاقة الإدارية بين رئيس المؤسسة  وعمال هذه الشركات و عدم توفر إدارة المؤسسات التعليمية على أي وثيقة رسمية  تحدد هذه العلاقة .
3-  عمال وعاملات النظافة  يعتبرون أنفسهم خارج المنظومة التربوية، وبالتالي فهم غير معنيين بما يقع داخل المؤسسة ويعتبرون هذا العمل مجرد محطة في انتظار الأفضل، ولا سلطة معنوية لأي أحد عليهم .
4- غياب مسؤولين  معروفين  جهويا وإقليميا مخاطبين لرؤساء المؤسسات في هذا الشأن  .
5-  عدم وضوح حدود مسؤولية الشركة المفوض لها  في حالة تعرض المؤسسة للسرقة  او اتلاف ممتلكاتها التي تكون في عهدة حارس الامن .
6-  تورط  بعض  المسؤولين في علاقات مشبوهة مع أصحاب هذه الشركات ومع بعض عمال وعاملات النظافة والحراسة .
  لهذه الاعتبارات وغيرها، فإن عملية تفويض الحراسة والنظافة إلى الخواص لم تحقق الأهداف المرجوة منها، وذلك بالنظر إلى آثارها المحدودة جدا على مستوى تجويد الخدمات بمؤسسات التربية والتكوين العمومية، وما تكلفه من ثقل مالي على كاهل ميزانية الدولة.
ولمعالجة هذه الوضعية لابد من إعادة النظر في الإجراءات التالية:
1- التحديد الدقيق لمسؤولية كل من الأكاديمية والنيابة والمؤسسة والشركة المفوض لها والعمال والعاملات .

2-  إعادة النظر في دفاتر التحملات الخاصة بالتدبير المفوض وفرض شروط دقيقة في اختيار عناصر الأمن المدرسي ،أو تفويض هذه المهمة للمؤسسات  التعليمية من خلال  مجلس تدبير أو من خلال إعادة النظر في دليل المساطر الخاص بجمعية دعم مدرسة النجاح.

3-  تحديد معايير واضحة لاختيار أعوان الحراسة والنظافة  مع الأخذ بعين الاعتبار أراء رؤساء المؤسسات العمومية.

4-تنظيم دورات تدريبية  لحراس الأمن حول كيفية التعامل مع التلاميذ ومع الموظفين ومع المرتفقين لفضاءات المدارس.

5-مراقبة  وتتبع أداء  حراس الأمن وأعوان النظافة  وأخذ أراء رؤساء المؤسسات بعين الاعتبار .

6- الحرص على تمتيع جميع المستخدمين بحقوقهم التي تضمنها لهم مدونة الشغل.

      وختاما فإن  تجربة  التدبير المفوض لم تحقق الإضافة النوعية المنتظرة منها  في قطاع التعليم نظرا لخصوصياته،  وهو ما يحتم على المسؤولين وضع آليات تدبيرية واضحة لتجاوز النقائص التي تمت الإشارة إلى بعضها أعلاه .

Exit mobile version