أصبح العنوان المسجل في البطاقة الوطنية للتعريف، حسب القرار الأخير، المرجع القانوني الوحيد للتبليغ القضائي في المغرب، وهو قرار يهدف ظاهريًا إلى تسريع الإجراءات القضائية وضمان وصول الإشعارات الرسمية إلى أصحابها دون تأخير. إلا أن مواجهة هذا القرار مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين تكشف عن تناقضات كبيرة بين النظرية القانونية والتطبيق العملي. ففي مجتمع تتنوع فيه حالات السكن بين الملكية والكراء، بين الاستقرار والتنقّل، هل يمكن اعتبار اعتماد عنوان البطاقة الوطنية قاعدة صلبة للتبليغ؟
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حوالي 75% من الأسر المغربية يملكون مساكنهم، في حين تصل نسبة المكتارين إلى أكثر من 15% على المستوى الوطني، وتصل إلى 22% في الوسط الحضري، خصوصًا في المدن الكبرى. إلا أن هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة واقع الاستقرار السكني. فالملكية لا تعني دائمًا أن الشخص يقيم فعليًا في نفس المكان، فقد تكون بعض المنازل مهجورة أو معدّة للبيع، أو يعيش فيها أكثر من فرد من أفراد الأسرة دون انتظام. كما أن سوق الإيجار غير الرسمي واسع الانتشار، ما يجعل الكثيرين يعيشون في مساكن غير موثقة قانونيًا، ويغيرون مكان سكنهم عدة مرات في السنة بحثًا عن إيجار أرخص أو ظروف معيشية أفضل.
واقع التنقّل والسكن المؤقت لا يقتصر على المكتارين فحسب، بل يشمل الطلبة، والأجراء المؤقتين، والعاطلين عن العمل، والعمال الموسميين، وكل من يعيش حياة اقتصادية غير مستقرة. هؤلاء المواطنون معرضون لخطر كبير، إذ قد يؤدي عدم تحديث عنوانهم في البطاقة الوطنية إلى تبليغ قضائي في مكان قد غادره منذ زمن، ما يفتح الباب لإصدار أحكام غيابية بحقهم دون علمهم. هذه النتيجة تكشف هشاشة القرار عند ملاقاته الواقع الاجتماعي، وتطرح تساؤلات جدية حول مدى العدالة والفاعلية التي يسعى القانون لتحقيقها.
القرار، رغم حسن النية الظاهرة، يعكس تركيزًا على الجانب القانوني والإداري على حساب الجانب الاجتماعي، ويغفل الفوارق الكبيرة في القدرة على الاستقرار السكني بين مختلف فئات المواطنين. كما أنه يضع مسؤولية تعديل العنوان على الأفراد، في حين أن الحكومة لم تضع آليات كافية لتسهيل هذا التحديث أو لحماية الفئات الأكثر هشاشة، مثل توفير بدائل تبليغية مرنة أو دعم السكن الاجتماعي، خصوصًا للمكتارين والشباب والطلبة.
من هذا المنطلق، يظهر أن القانون في هذه الحالة يتجاوز الواقع ويصطدم به، إذ أن الاعتماد المطلق لعنوان البطاقة الوطنية للتبليغ القضائي يهدد بتحويل فئات واسعة من المواطنين إلى ضحايا “الفخ القانوني”، فقط بسبب ظروفهم المعيشية المتقلبة. ولتحقيق العدالة الفعلية، من الضروري أن ترافق مثل هذه القرارات إصلاحات اجتماعية حقيقية، تضمن حق المواطنين في سكن مستقر أو وسائل تبليغ بديلة، بحيث لا يصبح القانون أداة عقوبة إضافية ضد من يعيشون في ظروف غير مستقرة.
في النهاية، يبقى التحدي الرئيسي هو خلق توازن بين الرغبة في تنظيم المساطر القضائية وبين فهم الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. فالقانون وحده لا يكفي لضمان العدالة، إذا لم يصاحبه إدراك كامل لتقلبات الحياة اليومية للمغاربة، ولحاجاتهم الحقيقية في السكن والاستقرار القانوني.

