يتابع الأستاذ درداري تحليله في ندوة مؤسسة صفروبربس حول الإسهامات الملكية في نهضة إفريقيا من خلال استقراء عمق العلاقات المغربية الافريقية ، على اعتبار أن التنمية الافريقية لا يمكن أن تتطور إلا من خلال علاقات جنوب جنوب .
فطبيعة المشاريع يقول الدكتور درداري يجب ان تكون لها ابعاد معرفية و ابعاد تخطيطية و ابعاد تتعلق بالحكامة ، و أيضا تحتاج إلى قيادة آمنة في مجال البنية التحتية و في مجال المشاريع الكبرى التي تضم مجموعة دول ، و أيضا في مجال التخطيط لابد من وضع الغايات الكبرى التي يجب أن يصل إليها كل مشروع اقتصادي تنموي. لابد من القول أن إفريقيا تحاول جهد الإمكان تحسين ظروف عيش ساكنتها .
و بالعودة إلى البعد الروحي في العلاقات المغربية الافريقية ، فإن المغرب يعمل على ترسيخ العقيدة المعتدلة التي تقوم على الوسطية و مبادئها ، و بهذا فالمغرب ينبذ كل مظاهر و تجليات التطرف ، بما يضمن نشر العقيدة في مظهرها السمح دون الاصطدام مع الآخر . و لهذا فكل العلماء بالمغرب يؤكدون على الانضباط للمذهب المالكي و للعقيدة الأشعرية ، و يحفظون ما يسمى التميز الديني المغرب لكي نحافظ على العلاقة مع باقي الشعوب لأن الدين الذي لا يصل الآخر لا يمكن أن يكون دينا مقبولا ، و لهذا فالمغرب متوغل في النسيج المجتمعي الدولي عكس البعض الآخر الذي يقصي كل المناهج و المذاهب الدينية .
و النتيجة أن المغرب بذلك يرسخ مفهوم التقارب و التعايش بين الشعوب من خلال الدبلوماسية الدينية و البعد الروحي في التواجد الملكي بالقارة الافريقية بما يخدم وجدانية الأمة الافريقية و شعوبها لأن الإنسان الافريقي في حاجة اليوم إلى جبر الخاطر و الاعتراف له بالوجود و بالكرامة الإنسانية و بحقوقه التي يجب الحرص على حمايتها و صيانتها ، و لهذا فإن جلالة الملك و حقل إمارة المؤمنين ينبذ الغلو و التطرف و يهتم بالمعرفة و بكل ما يمثل رمزية دينية في شرعية الشعوب التاريخية .
فالدولة المغربية حافظت دائما على البعد الروحي في توجيه علاقاتها الخارجية لأن المغرب يعترف بالذاكرة المشتركة التي يوجد فيها اقليات و تمثلات ثقافية . و المغرب يسعى لبناء تحالفات مع الدول التي لها نفس المرجعية الروحية ، و لهذا فعودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي كانت وفق رؤية استراتيجية تراهن على الأمن الديني و الروحي ، و على الأمن السياسي و الاقتصادي، و لهذا تعاظمت رهانات المغرب ضمن الاتحاد الافريقي من خلال وضع رمز ثقافي و روحي للاتحاد استحضارا لما له دلالة رمزية و ثقافية .
و عن سؤال حول تحول العلاقات الدولية من البعد الإيديولوجي إلى الأبعاد المصلحية و وضع العلاقات المغربية الافريقية فيه قال الأستاذ درداري أن المغرب و انطلاقا من تواجده الروحي في البلدان الإفريقية من خلال العلماء الذين يعتبرون كسفراء للدول التي يتواجدون بها و ليس فقط للمغرب، و أيضا من خلال نبذ كل مظاهر العنف و التطرف و العنصرية ، يبني عناصر يمكن التأسيس عليها لبناء علاقات اقتصادية و عسكرية و تجارية و غير ذلك .
فالمغرب أصبحت لديه عقيدة استراتيجية أطلسية يقتسمها مع دول القارة .
فالشمال الأطلسي محفوظ باتفاقيات عسكرية يتحكم فيها حلف الناتو في حين يتحرك كل العالم في جنوب المحيط الأطلسي ، لكن اليوم هناك انطلاقة مهمة اقتصادية و تجارية و سياحية بالإضافة إلى الأفق الذي سيفضي إلى اتفاقيات و شراكات عسكرية لأن افريقيا لا يمكن أن تبقى بدون قوة عسكرية مشتركة و هذا ما سيتحقق بعد تقوية عقيدة المواطن الافريقي في الجوانب الاقتصادية و السياسية ، و أيضا عقيدته الدينية و الروحية ، و اقراره بالمجالات المشتركة و المجالات التي لا يضر فيها الاختلاف بالمشترك
بطبيعة الحال فجلالة الملك يهتم بالشق الاقتصادي في العلاقات مع دول غرب القارة ، و بذلك يمكن القول أن جلالته يرصد و يتتبع البنية الاقتصادية لغرب افريقيا على الواجهة الأطلسية لأن مستقبل العالم هو المستقبل الاقتصادي ، و أيضا لأن القارة الإفريقية لا يمكن أن تكون تنافسية دون اتفاقيات اقتصادية كبيرة ، و أيضا يجب توفر قوة اقتصادية لجلب الاستثمار حتى لا تتضرر المنافسة ، و كي لا تبقى الشعوب الافريقية مستهلكة دون أن تكون منتجة حتى يكون هناك توازن بين الإنتاج و الاستهلاك .
يتبع