Site icon جريدة صفرو بريس

الابتزاز الإلكتروني.. وجه جديد للجريمة يهدد القيم الاجتماعية والأمن الرقمي

لم تعد الجريمة في العصر الرقمي تتخذ الشكل التقليدي المعروف، بل تحولت إلى ممارسات خفية تنفذ من خلف الشاشات، حيث بات الابتزاز الإلكتروني أحد أخطر مظاهرها وأكثرها انتشارا في السنوات الأخيرة. القضية الأخيرة التي شهدتها مدينة فاس، والمتعلقة بخياط تورط في التغرير والابتزاز عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، ليست سوى نموذج مصغر لواقع مقلق يهدد الأمن الاجتماعي والقيمي على حد سواء.

في هذه القضية، استغل الجاني موقعه المهني لاستدراج ضحاياه من النساء، مستغلا الثقة التي تمنحها طبيعة المهنة والعلاقات الإنسانية اليومية. هذا النمط من الاستغلال يطرح إشكالا أخلاقيا واجتماعيا خطيرا، إذ يكشف عن تآكل بعض القيم التي كانت تشكل خط الدفاع الأول ضد مثل هذه الممارسات. الأخطر من ذلك هو توظيف التكنولوجيا في تحويل العلاقات الإنسانية البسيطة إلى أدوات للتهديد والإذلال النفسي والاجتماعي.

من الناحية القانونية، يندرج الابتزاز الإلكتروني ضمن الجرائم الماسة بالحياة الخاصة، ويعاقب عليه القانون المغربي بشدة، خصوصا بعد التعديلات التي أدخلت على القانون الجنائي سنة 2018 لمواكبة تطورات الجريمة الرقمية. غير أن الجانب القانوني وحده لا يكفي، فالمشكل الحقيقي يكمن في سهولة ارتكاب هذه الجرائم وصعوبة اكتشافها في بدايتها، خصوصا حين يتعلق الأمر بعلاقات قائمة على الثقة أو بضحايا يخشون الفضيحة والوصم الاجتماعي.

تدخل فرقة مكافحة الجرائم الإلكترونية بولاية أمن فاس، الذي أفضى إلى كشف الجاني في وقت قياسي، يعكس يقظة الأجهزة الأمنية وقدرتها على التعامل مع هذا النوع من القضايا المعقدة، لكنه في الوقت ذاته يسلط الضوء على ضرورة التوعية المجتمعية بخطورة الابتزاز الإلكتروني، خاصة في صفوف النساء والفتيات اللواتي يشكلن الفئة الأكثر عرضة لمثل هذه الجرائم.

من منظور اجتماعي، يمكن القول إن ظاهرة الابتزاز ليست مجرد انحراف فردي، بل هي نتاج تحولات قيمية وثقافية يعيشها المجتمع، حيث تسللت التكنولوجيا إلى كل تفاصيل الحياة دون أن ترافقها التربية الرقمية اللازمة. فغياب الوعي بخطورة مشاركة المعلومات والصور الشخصية، والاستهانة بخصوصية المعطيات، يفتح الباب أمام المجرمين لاستغلال الثغرات الاجتماعية والنفسية.

إن مواجهة الابتزاز الإلكتروني تتطلب استراتيجية متكاملة تشمل التربية الرقمية في المدارس، وحملات توعية إعلامية، وتشجيع الضحايا على التبليغ دون خوف من الوصم، إضافة إلى تطوير القدرات التقنية للأمن في تتبع هذه الجرائم. فالأمر لا يتعلق فقط بمعاقبة الجناة، بل بتغيير ثقافة المجتمع في التعامل مع الفضاء الرقمي، من فضاء ثقة إلى فضاء وعي وحذر.

القضية التي هزت فاس ليست سوى جرس إنذار آخر، يؤكد أن الجريمة الرقمية لم تعد استثناءً، بل أصبحت واقعا يوميا يتطلب وعيا جماعيا وتشريعات متطورة وسلوكا رقميا مسؤولا. فالتكنولوجيا، وإن كانت أداة تقدم، قد تتحول في غياب الوعي إلى سلاح يفتك بسمعة الإنسان وكرامته.

Exit mobile version