في مشهد يعكس عمق التوتر السياسي تحت قبة البرلمان، عادت المعارضة لتصطدم مجددا مع الأغلبية، وهذه المرة بشأن تشكيل المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول دعم استيراد الأبقار واللحوم، المعروف إعلاميا بـ”الفراقشية”. فبينما صادق مكتب مجلس النواب على تشكيل اللجنة، أعلنت فرق المعارضة، وفي مقدمتها فريق التقدم والاشتراكية والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أنها غير معنية بالمشاركة في هذه المهمة.
هذا الموقف يفضح مرة أخرى هشاشة الثقة بين مكونات المشهد البرلماني، ويكشف أن ما يفترض أن يكون أدوات رقابة وتشخيص مؤسساتية، يتحول إلى ساحة مواجهة سياسية مفتوحة، خاصة مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
مقاطعة المعارضة للمهمة، والتي جاء بعضها مرفوقا باتهام صريح للأغلبية بغياب الجدية والانحياز، يضع علامات استفهام حول مدى التزام الحكومة بتكريس الشفافية في ملفات حساسة تتعلق بالأمن الغذائي والمال العام، كما يفتح الباب أمام تأويلات سياسية تتجاوز حدود الموضوع التقني.
في المقابل، يتهم رئيس اللجنة البرلمانية بعض مكونات المعارضة بمحاولة عرقلة عمل المؤسسة التشريعية، ما يكشف عن تراكم الاحتقان بين الجانبين، وعدم القدرة على فصل الرقابة البرلمانية عن التنافس الانتخابي المتصاعد.
الصراع الذي بات يتكرر مع كل لجنة أو مهمة استطلاعية، لم يعد فقط خلافا في المقاربات، بل أصبح صراعا مكشوفا على الرأي العام، وعلى من يملك شرعية المساءلة داخل المؤسسات.
ومع اقتراب الانتخابات، يبدو أن منسوب التوتر سيزداد، وأن الملفات الحساسة ستُوظف سياسيا أكثر مما ستُعالج موضوعيا، وهو ما يهدد بفقدان الثقة في فعالية العمل البرلماني، ويجعل من المواطن أول الخاسرين في هذا الاشتباك المزمن.

