يثير سلوك ازلام العسكر الجزائري تساؤلات عميقة حول طبيعة الخطاب الذي يروجونه، خاصة حين يتعلق الامر بمفهوم السيادة ووحدة الدول. فقد شهدت باريس وقفة نظمها موالون للنظام الجزائري، قيل انها موجهة ضد حركة الماك، بدعوى الدفاع عن وحدة الجزائر ورفض النزعات الانفصالية. غير ان المفارقة الصادمة تمثلت في رفع اعلام جبهة البوليساريو خلال هذه الوقفة، في مشهد يكشف بوضوح تناقضا صارخا لا يمكن تبريره.
كيف يمكن لمن يدعي الدفاع عن وحدة بلاده ان يساند في الوقت نفسه حركة انفصالية تستهدف وحدة دولة جارة؟ وكيف يستقيم منطق يجرم المطالبة بالانفصال داخل الجزائر، بينما يبارك ويدعم مشاريع التقسيم خارجها؟ هذه الازدواجية لا تعكس فقط خللا في الخطاب، بل تفضح عمقا سياسيا مأزوما يقوم على الكيل بمكيالين، واستعمال المبادئ كشعارات ظرفية لا غير.
رفع اعلام البوليساريو في وقفة يفترض انها ضد الانفصال، ليس مجرد خطأ عفوي او تصرف فردي، بل تعبير صريح عن عقيدة سياسية متجذرة لدى النظام الجزائري، قوامها تصدير الازمات الى الخارج، ومحاولة خلق بؤر توتر اقليمية لصرف الانتباه عن الازمات الداخلية المتراكمة. فالنظام الذي يخشى اي تعبير سياسي او ثقافي مخالف داخل حدوده، لا يتردد في دعم حركات انفصالية خارجها، متناسيا ان منطق التقسيم لا يعرف حدودا.
ان اخطر ما في هذا السلوك، ان النار التي يشعلها النظام في بيوت الجيران، لا تلبث ان تمتد الى الداخل. فالتاريخ يعلمنا ان من يتلاعب بوحدة الاخرين، ويبرر الانفصال هنا ويدينه هناك، انما يؤسس لشرعية الفوضى، ويزرع بذور الانقسام داخل مجتمعه قبل غيره. وليس غريبا ان تتوسع هوة الاحتقان داخل الجزائر، وان تتنامى الاسئلة حول هوية الدولة، ومستقبل التعايش، في ظل حكم يرفض الحوار ويقدس القبضة الامنية.
ان من يهدد وحدة الجزائر اليوم، ليس الحركات الاحتجاجية ولا التيارات الثقافية، بل العقلية العسكرية التي تحكم البلاد، والتي ترى في كل اختلاف تهديدا، وفي كل جار عدوا، وفي كل ازمة فرصة للمناورة. الاستمرار في هذا النهج هو لعب بالنار، والنار حين تشتعل لا تميز بين من اشعلها ومن صفق لها.
والايام كفيلة بان تكشف ان سياسة الازدواجية لا تحمي الاوطان، بل تسرع تفككها، وان من اعتاد رفع شعارات السيادة في الخارج، بينما يصادرها في الداخل، لا يصنع دولة، بل يؤجل الانفجار فقط.

