توطئة على سبيل الاستهلال :
يابني إذا مررت بخصم أو عدو، فأصبغ على وجهك ابتسامة الرضا والسرور،فإن كان في قلبه ضغينة أوشحناء أثخنت جراحه وزدته هما وغما ،وإن كان يميل للصفح يرجو السلام ، نازعته نفسه للصلح ونسيان ما كان.
من إشراقات رباط الخير
الابتسامة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها كل البشر في يسر وسهولة ولا تحتاج إلى واسطة أو ترجمان. الابتسامة هي أرقى وأسمى وأجمل لغة في الوجود،هي الإضاءة الطبيعية لوجه الإنسان، والإشراقة الجميلة لروحه وصحته ،هي الشعور النفسي العميق النابع من القلب بالبشر والرضا عن الذات.
و الابتسامة هي جواز سفر لكل القلوب، وقيمة مضافة لكل جميل في الإنسان..
الابتسامة تزيل الاكتئاب وتحفز بواعث الخير والأمل،فلا تبخل أبدا بالابتسامة في وجه الآخر لأن تأثيرها ينعكس عليك إيجابا في اللحظة والتو،ويبني جسورا للتواصل والتقارب أو يخفف مستوى ودرجة الاحتقان والضغط النفسي عند المخالف.
أن الابتسامة هي سمت الرسل والأنبياء وصفوة الخلق وصفة الأخيار والصلحاء،وهي انعكاس للسلام الداخلي للشخص السوي ، بينما الضحك والضحك الصاخب هو رد فعل يتفجر في لحظة أو لحظات وما يلبث أن يتلاشى ويضمحل متى غاب الباعث واختفى السبب.
والضحك سلوك طارئ، يحضر استدعاءا لموقف غريب أو طريف ،أما الابتسامة فهي سمت وصفة مكتسبة ،تترسخ كلما ارتقى الشخص إلى مدارج الرقي الإنساني :عقيدة وتقوى ،وعلما وحكمة .
وإذا كان الضحك في جماعة الرفقة ومعد ومتنقل ،لطبيعة التعارف ورفع الكلفة بين شخوصها ،فإن الابتسامة تعدي الفرد وجماعة الصدفة ولو كانوا أغرابا ومن جنسيات وثقافات مختلفة ،فهي تسري في كل النفوس مخترقة كل الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية بشكل انفعالي لاإرادي ،إذ لا يتحكم فيها العقل الواعي إلا بدرجات قليلة في أغلب الحالات.
يقول بعض خبراء علم النفس، إن الشخص الذي لا يبتسم أو يضحك لنكتة أو لموقف مرح أو مفارقة طريفة ،ولم تصدر عنه أي استجابة لها بعد أن ضحك الآخرون وربما قهقهوا، فإن صحته النفسية معتلة أوفيها خلل،أو أن خلايا الضحك في النصف الأيمن من الدماغ ،قد يكون أصابها ضرر أو تلف،أو أنها شاخت ، وهذا ما يفقده القدرة على تذوق النكتة والإحساس بها .
وهناك أشخاص يحيونك أويسلمون عليك ،وربما رحبوا بك ،لكن ملامحهم وقسمات وجوههم توحي بعكس ذلك تماما ،مما يخلق انطباعا غير ايجابي عند الآخر،فالوجه العابس المتجهم المقطب يغلق سبل التواصل ويشيع جو التنافر والتباعد وربما القطيعة من غير مبرر.
ويؤكد علماء النفس، أن الذين يبتسمون ويضحكون هم عادة مسالمون ،لأنهم يفرجون عن المشاعر السلبية و السلوكات العدوانية بالضحك.
وحياتنا اليوم أصبحت صعبة معقدة ،والإنسان فيها يعيش تحت ضغوطات وإكراهات نفسية وعصبية هائلة ومتزايد تطارده على مدار الساعة،فإذا انضاف إليها التجهم والعبوس القنوط ،صارت الحياة عذابا وجحيما لا يطاق.
وتبقى الابتسامة والضحك منفذا آمنا لتفريغ شحنة الضغط والتوتر من أجل الاسترخاء ،واستعادة التوازن واكتساب نوع من المناعة النفسية التي تحول دون التأثر بما نتعرض إليه من ضغوطات وإكراهات في هذه الحياة وما أكثرها.
وتعتبر الابتسامة شفاء وبلسما وتعويضا ومهدئا نفسيا فعالا ،ورافعة للروح المعنوية للمريض والمصاب والمفجوع والمظلوم والمبتلى والفاقد للأهل أو المال و….
وهنا يبدو الحديث النبوي رائعا متألقا :
“وتبسمك في وجه أخيك صدقة ” ” لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق “
ملحوظة لكل غاية مفيدة:
إن الضحك الكثير المبتذل المصاحب للقهقهة الصاخبة ،والضحكة الصفراء التي تزدري وتحتقر الناس وتجرح كبرياءهم،والضحكة المتعالية المتعجرفة التي تسحق الأخر وتشعره بالدونية،والسخرية البلهاء من ذوي الاحتياجات الخاصة ،والغمز واللمز،والضحك بالطعن في ثوابت الدين والمعتقد ،والنيل من أعراض الناس والتنكيت بمصائبهم وأحزانهم… كل هذه السلوكات مرفوضة ومنكرة ،يمجها الذوق السليم وتعافها من النفس السوية .
فنحن كلنا سواء في البدء والخليقة ،وإنما هي مقادير الله تسري في خلقه بحكمة يعلمها سبحانه ،فلا تغتر بمال أو جاه أو منصب أو نسب، أو بقد وقوام، أو بحسن وجمال …. إذا كنت اليوم سليما معافى فقد تبتلى غدا.
نسألك اللهم السلامة والعفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة …..آآآآآمين.