تعيش وزارة العدل مرحلة انتقالية في تدبير مواردها البشرية بعد شروعها في اعتماد نظام البصمة والبرمجيات الإلكترونية لتتبع حضور الموظفين داخل المحاكم والمصالح التابعة لها. هذه الخطوة لا يمكن قراءتها في حدودها التقنية فحسب، بل تعكس إرادة سياسية واضحة لربط المسؤولية بالمحاسبة داخل قطاع يعتبر من أكثر القطاعات حساسية وتأثيرا على ثقة المواطنين.
ظاهرة الغياب غير المبرر عن العمل ليست جديدة، لكنها لطالما شكلت نقطة سوداء في الإدارة العمومية المغربية، حيث يترتب عنها بطء في معالجة الملفات، تراكم القضايا، وتذمر المتقاضين من طول الإجراءات. إدخال آليات دقيقة مثل البصمة الإلكترونية وكاميرات المراقبة وبطاقات الولوج يمثل نقلة نوعية في مواجهة هذه المعضلة، لأنه يقطع مع الأساليب التقليدية التي كانت تسمح بتساهل أو تلاعب في الحضور والانصراف.
الوزير عبد اللطيف وهبي شدد على أن الهدف من هذه الإجراءات ليس فقط مراقبة الموظفين، بل الدفع نحو تحسين الأداء الجماعي للمنظومة القضائية وضمان احترام أوقات العمل. هذا البعد يعكس وعيا بأن الإصلاح القضائي لا يقتصر على النصوص أو البنيات التحتية، بل يبدأ من انتظام الموارد البشرية والتزامها بأدوارها اليومية.
تعميم هذه التجربة على باقي المحاكم والإدارات التابعة للوزارة يطرح عدة رهانات:
الرهان الأول يتعلق بمدى قدرة النظام على خلق تحول ثقافي داخل الإدارة، بحيث يصبح الانضباط قيمة مؤسسية لا مجرد إجراء رقابي.
الرهان الثاني يرتبط بمدى انسجام هذه الخطوة مع باقي الإصلاحات التي تطال الإدارة القضائية، مثل الرقمنة الشاملة وتبسيط المساطر.
الرهان الثالث يتمثل في الأثر المباشر على ثقة المواطن، الذي يقيّم كفاءة المنظومة القضائية انطلاقا من سرعة البت في القضايا وجودة الخدمات المقدمة له.
إلى جانب ذلك، تبرز تساؤلات حول آليات المرافقة: هل سيتم اعتماد تكوينات للموظفين حول استخدام هذه الأنظمة؟ وهل ستُوضع ضمانات لحماية المعطيات الشخصية المرتبطة بالبصمة وكاميرات المراقبة؟
في النهاية، يمثل اعتماد نظام البصمة داخل وزارة العدل خطوة إصلاحية ذات دلالات رمزية وعملية في آن واحد. فهي رسالة بأن زمن التساهل مع الغياب والإهمال الإداري قد انتهى، وأن مرحلة جديدة بدأت قوامها الانضباط والالتزام بالمسؤولية. لكن نجاح هذه التجربة لن يقاس فقط بعدد الأجهزة المثبتة أو البرامج المفعلة، بل بمدى انعكاسها على تحسين ثقة المواطنين في العدالة وجودة الخدمات المقدمة لهم.