Site icon جريدة صفرو بريس

أزمة دورة النخب في المجتمع المغربي والعربي والحاجة إلى تجديدها ذهب

كرونيك د أحمد درداري

بالنظر إلى الواقع الذي اصبح من السهل ان ينتج لنا شهرة أشخاص يتصدرون التراند الإعلامي الرسمي والموازي وآخرون يتحدثون في شؤون العامة نطرح سؤال حول سبب وجود فراغات تستغل من طرف أشخاص غير محسوبين على النخب فيتحولون بمواقف معينة إلى قادة الرأي العام وزعماء خارج العادة؟
ان موضوع التنخيب يؤشر على وجود منافذ جديدة في سياق الأزمات السياسية المتعاقبة والتي تتميز بوجود نخب تقليدية لم تعد تواكب التطورات، وأخرى حداثية لا تحظى بالتأييد الكافي ولم تسيطر على الوضع، وهذا المزيج لم يسعف على دورانها وطنيا وترابيا. ذلك ان تراجع النقاش السياسي مرده إلى تغيير علاقة القوة والسلطة داخل المجتمع، مما اثر بشكل سلبي على تمثيل المجتمع وعلى عملية اتخاذ القرارات و على علاقة الدولة بالتحديث والتنمية.
واذا نظرنا إلى تدرج مستويات النخب بناء على أدوارها ومهاراتها وأهميتها نجد هناك فراغا في بعض المستويات و المواقع، الشيء الذي يستثني النخب المولوية باعتبارها الفاعل الأساسي الوحيد والشريك للسلطة في الدولة، بينما بقية النخب لم ترقى إلى فهم مضامين الخطب الملكية رغم دورها المحدود لكونها تهتم بنفسها أكثر من دورها في الترافع عن النموذج التنموي والخيار الديمقراطي و الاستقرار الاجتماعي والمساهمة في تطوير المشروع المجتمعي.
ان النخب تعرف بالصمود السياسي في وجه الأزمات، وانفصالها عن المجتمع سواء بسبب هشاشة المعرفة السياسية أو إغفال تحديات صناعة القرار السياسي، او صعوبة إدراكها آليات العمل السياسي وعقلانيتها غير مبرر، ويمكن ان يرتبط الأمر بصعوبة تجاوز الإطار الصوري والقانوني للعمل السياسي و البقاء في الدائرة الضيقة لصناعة القرارات التي تختزل الواقع وتضيع فرص الفهم الحقيقي لطبيعة النظام السياسي، ذلك ان التنخيب الحزبي اصبح وسيلة للاعتناء سواء لدى النخبة التابعة او المتحررة.
ومعلوم ان نخب القرب من السلطة تعتمد على المال والأصل الاجتماعي، بينما النخبة التكنوقراطية تعتمد على المال والنفوذ، أما النخبة الحزبية وإن كانت تتعاطى سياسيا مع الأوضاع، إلا انها فشلت في في القيام بوظيفتها، وامام تآكل النخبة القروية انطلاقا من تغير دور الملك الاقتصادي و الرمزي، تم افراغ المجتمع من القدرة على الصبر الذي يحرر الكفاءات، وانتهى معه زمن امتحان مواقف الاشخاص، واصبحت عملية إسناد المهام دون ضمان الاهداف منها.
وحينما نعود إلى مفهوم النخبة وخصوصياتها الثقافية، نلاحظ أن منها ما هو تقليدي وقد تراجع لحساب نخب اقتصادية، وأخرى معاصرة خالفت معايير التنخيب واتجهت هي الأخرى نحو القيم المادية، بينما كان من قبل المعطى الاقتصادي أداة لتماسك تركيبة عمل النخب وتعايشها انطلاقا من دور الحاكم المحدد للأدوار التي تحافظ على توازن النسق السياسي، لذا فان هشاشة الثقافة السياسية لديها وبسبب المعطى المادي هو الذي وحد الرؤى وانتهى عهد النخبة الوطنية التي كان التاريخ و السوسيولوجيا دافعين للقيام بوظيفتها وتوجيهها نحو مختلف التغيرات المجتمعية وأيضا شكلت حلقة وصل بين المجتمع والدولة. وقد شكل الربيع العربي محطة مفصلية في مسار الشرعية السياسية للأنظمة السياسية العربية، حيث فرض شرعية جديدة، تخطت دور الاحزاب والنخب السياسية الموجودة لكونها عجزت عن الإحاطة بالمشروع المجتمعي وعقلنة العمل السياسي والحزبي بالاستجابة لمتطلبات التحديث والحفاظ على تمثيلها للمواطنين.
ولعل تغيير النخب لطبيعتها ونوعيتها ساهم في تغيير العلاقات الاجتماعية، بل ومع ظهور نوع جديد من النخب بدون شرعية فتح باب لاختراق الحصون والموانع السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية، وتخطي القيم الأخلاقية، ليكون هذا التحول هو تأسيس لعصر التفاهة بعيدا كل البعد عن الأسس المعرفية والمنهجية وتم معهما إضعاف الخصوصية الوطنية، ومع بداية فصل النخب عن المجتمع بدأ لفائدة الاكتفاء بالمصلحة الشخصية والفردية، الشيء الذي انتقل إلى الحياة السياسية وأثر بشكل سلبي على العمل السياسي، وعلى ادوار الاحزاب السياسية وغير من شروط و منهجية الصعود السياسي التي تؤطرها البرامج الدراسية و القوانين وآليات استحداث الفعل الحزبي.
ومن الطبيعي ان تكون هناك ردود الأفعال الاسترجاعية للنسق السياسي المفتوح على الغموض السياسي وانتظار تحريك الأزمة التي تتعذى على اتساع الهوة بين المطالب الاجتماعية و صعوبة الاستجابة التي مردها إلى عدم نقلها عبر مدخلات النسق السياسي، والضغط لكي تتحول إلى مخرجات في صالح المجتمع، لاسيما في ظل وجود تراكمات سياسية في البيئة الداخلية وتحديات فرضتها البيئة الخارجية.
ان النخبة التي تعد صفوة المجتمع كانت تمثل مصدرا للفكر ومحددا لمستوى الوعي وتحصينه من الانفلات الثقافي، وحاجزا ايديولوجيا ودينيا، كما كانت حافظة لرمزية المجتمع والدولة، إلا انها مع التطورات الدولية وما ألحقته من تغيير على الأنظمة السياسية، دفعتها إلى التخلي عن هذه الأدوار بدلا من الاستجابة المرنة للتنوع الثقافي و الطبقي، بل حتى الاحزاب السياسية أصبحت برامجها متطابقة دون اي اختلاف مهم بينها وتوحدت الاهداف لديها، ومعها ضعف دور وقيمة النخب التي اصبحت خاضعة لالتزامات سابقة على ممارسة السلطة او الانتماء للنخب الجديدة.
ومن وجهة نظر علم الاجتماع السياسي تبقى النخب هيكل المجتمع وبناؤه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي بقيامها بدورها تتفوق على الجماعة والأفراد وان كانت تنتمي اليها، فهي تجمع بين المكانة والقيمة في الهرم الاجتماعي.
وبحكم ان الوضع الدولي و العربي السيء فإنه يحتاج إلى نخبة مواكبة و قادرة على مراجعة واجباتها على مستوى أوطانها والوقوف في وجه الانكسارات التي تهدد المجتمع والدولة، والتي تجعل من المجتمعات الضعيفة النخب ضحيتة لها، بل وتجعلها ذروعا لدفع الاذى. ويمكن للنخب ان هي استفاقت من نومها واهتمت بواجباتها ان تجلب المنفعة لاوطانها ومجتمعها، وتحافظ على التوازنات الاجتماعية، و ندفع المسار التنموي في الاتجاه الصحيح، وإيقاف الهيمنة و الخضوع للسلطة المركزية الدولية.
فالنخب في بنيان الدولة أنواع منها نخب السلطة ونحب الدين والنخب الاكاديمية ونخب الإعلام … وحسب النظريات التي تناولت موضوع النخبة، سواء لمجتمع ما بعد الصناعة ( الان تورين ) او لمجتمع ما بعد الرقمنة ( الان دونو )، حيث تراجعت الديمقراطية لفائدة نظام التفاهة التي تعتمد على نشر الغسيل واهانة كل القيم و تبخيس كل شيء غني، بإعادة إنتاجه بأقل تكلفة وأقل قيمة كصناعة المنتوجات الاستهلاكية الرخيصة والفاقدة للجودة، لكنها تستجيب لطلبات المستهلك الضعيف القدرة على طلب الجودة. وما يحدث على المستوى الاقتصادي انتقل إلى المستوى السياسي وصناعة القرارات السياسية، وذلك نظرا لتكامل دور الاقتصادي والسياسي واعتمادهما على بعضهما البعض، حيث ان الاقتصادي يعتمد على قرار السياسي الذي يستمد قوته من الاقتصادي في المجال الانتخابي، واقناع المواطنين بتوفير المنتوجات الاقتصادية الاستهلاكية.
هذا وقد اصبح مفهوم النخبة في عصر ما بعد الرقمنة مقرونا بأولئك المسيطرون على الموارد المالية ومعها مواقع القرار السياسي، وقد سجلت النخبة المثقفة والأكاديمية والحزبية والدينية دورها الغائب في التنمية، مما افقدها مكانتها لدى الجمهور، ولم يلفت انتباهها الذين يهاجمون رموز وطنهم و استهداف قيم مجتمعهم، وكأن المساواة تحققت بين العارف والمتطفل في التعاطي مع الشأن العام، وان التمييز بين التفكير والخطابات انتهى، وتم الاكتفاء بما تحمله وسائل التواصل الاجتماعي لثقافة الجماهير التي ساهمت في تقليص دور النخب لمجتمع ما بعد الرقمنة، حيث اختزلت النخبة في من لا ثقافة له وحملت معها مطالب تقضي بشرعنتها لتصبح شكلا من أشكال التحول في مفهوم النخبة، والتي تبقى افتراضية ومؤثرة خارج عن العمل المؤسساتي .
وفي محاولة لتوظيف القوة والنفوذ عملت نخبة ما بعد الرقمنة على التقارب السيبيري بين الشعوب لتغير بذلك نمط التثقيف عبر الوطني الذي تعد الأحداث مقرراته وليس الفكر او المعرفة العلمية، وهذا ما يعكس سلبيات العولمة التي استهدفت كسر هيبة سلطة الاب والحاكم ورجل الدين والمعلم … واهانت بذلك القدوة والمثال في المجتمع المعتمدين في تحديد معنى النخبة، الشيء الذي انعكس سلبا على المجتمع والدولة وقوبلت آثاره بالرفض.

Exit mobile version