في خضم الاحتجاجات المتواصلة التي يقودها شباب جيل زيد في عدد من المدن المغربية، خرجت مجموعة من الأحزاب السياسية، من الأغلبية والمعارضة على حد سواء، لتعلن عن تنظيم لقاءات حوارية مع ممثلين عن هذا الجيل، في محاولة لإظهار تجاوبها مع مطالب الشارع الشبابي.
غير أن المفاجأة جاءت من المنصات الرقمية نفسها التي تشكل الفضاء الطبيعي لتعبير جيل زيد، حيث سارع عدد كبير من الشباب إلى نفي أي لقاء أو تمثيل لهم، مؤكدين أن “أي طرف يدعي التحدث باسمنا لا يمثلنا”، وأن هذه المبادرات الحزبية ليست سوى “محاولات يائسة لركوب الموجة وتلميع الصورة”.
وتداول شباب على منصات التواصل الاجتماعي منشورات وتصريحات تحمل رسائل واضحة، من بينها عبارة لاقت انتشارا واسعا: “كيف نتفاوض مع أصل المشكل؟”، في إشارة مباشرة إلى الأحزاب السياسية التي يعتبرها الكثيرون من هذا الجيل جزءا من الأزمة وليس طرفا في الحل.
ويرى متتبعون أن هذه الموجة من النفي والرفض تعبّر عن فقدان عميق للثقة بين الشباب والمؤسسات الحزبية، بعد سنوات من التراجع في الأدوار السياسية التقليدية، وضعف التأطير، وابتعاد الأحزاب عن هموم الفئات الشابة التي وجدت في الفضاء الرقمي بديلا للتعبير عن رأيها ومطالبها.
في المقابل، اعتبر بعض الفاعلين السياسيين أن هذه اللقاءات جاءت في إطار “محاولة لفتح قنوات التواصل مع الجيل الجديد” وفهم مطالبه، لكن طريقة الإعلان عنها من طرف بعض الأحزاب دون إشراك فعلي للشباب المعنيين أعطت انطباعا بأنها تحركات شكلية الهدف منها احتواء الغضب الشعبي أكثر من الإصغاء الحقيقي لصوت المحتجين.
ويتهم العديد من النشطاء الأحزاب، سواء من المعارضة أو الأغلبية، بمحاولة استغلال اللحظة السياسية لركوب الموجة، وتلميع صورتها أمام الرأي العام، في وقت يطالب فيه الشارع بإعادة هيكلة المشهد السياسي ككل، ومحاسبة المسؤولين عن الفشل في مجالات التعليم والتشغيل والصحة والعدالة الاجتماعية.
ويبدو أن ما يجري اليوم يكشف عن قطيعة عميقة بين الأجيال: جيل رقمي يعيش خارج أسوار الخطاب الحزبي التقليدي، وجيل سياسي ما زال يحاول استيعابه بمنطق قديم لم يعد يقنع أحدا. وبين هذا وذاك، يظل السؤال الأكبر مطروحا: هل ستفهم الأحزاب الرسالة أخيرا، أم ستواصل محاولة التحدث باسم جيل لم يمنحها أصلا حق الكلام؟